السبت، يوليو 31، 2010

حياة مضطربة وأمراض وتشريد مبكر.. أطفال الجعاشن .. حين تغيب الدولة ويصادر الفساد والإستبداد أحلام الصغار

30/7/2010 - الصحوة نت - ذكرى الواحدي: سبعة أشهر و العشرات من أهالي الجعاشن مشردون في الخيام وسط العاصمة يتنقلون من مكان لآخر؛ يبحثون هم وأطفالهم عن العدالة تحت حرارة الشمس والبرد والأمطار .. مسيرات يطرق الأطفال أبواب أوصدت في وجوههم .. وأعلنت «فرماناً قبلياً» «أن لا صوت يعلو فوق صوت الشيخ». في مقابلتي للأطفال في منظمة سياج والمختصة النفسية اكتشفنا الوجه الآخر للمعاناة التي قد لا يراها الناس. أطفال بعمر الزهور يحملون قضية ولا يحلمون بحياة وردية أطفال حديثهم اليومي عن القتل والدم والضرب .. ونسوا حديثهم «عن أبطال مخيلتهم وألعابهم الطفولية». صورة أذهلتني أنا والمختصة فهؤلاء الأطفال إذا لم يتم تدارك معاناتهم مشاريع قنابل موقوتة مستقبلهم الذي ارتسم أمامهم: هو الانتقام لمن شردهم من بيوتهم وسجن آباءهم ونهب ممتلكاتهم».

أطفال .. تحت الإرهاب
كلما بدأت حديثي مع الأطفال «يبدأون بسرد كل تفصيل عن ليالي مرعبة قضوها تحت وابل النيران واللحظات المفزعة وهم يترقبون الموت في كل لحظة. فصل آخر لايمحى من ذاكرتهم مشاهد الضرب وسجن آبائهم وأقربائهم ونهب ممتلكاتهم: أطفال أيضاً تعرضوا للسجن والضرب ساعات مرعبة وثقيلة ارتسمت في مخيلته. عيسى وهو يسرد ليله في سجن «دار الحبلة» كان يشعر أن قلبه سيتوقف عن الخفقان هو وأصدقاؤه الثلاثة (محمد وعوض ويحيى) سمعوا خفيف ثعبان يقال إنه في تلك الغرفة تحاصرهم الظلمة وكل يحاول أن يطمئن زميله بالإشارات فقد ألجمهم الخوف فقط كان الصمت وخفيف حركة «الثعبان». عيسى كان يتحدث بكلمات متقطعة ومهزوزة نتيجة الضرب المبرح الذي تلاقاه أمام مجلس النواب من عساكر الشيخ لم يعد يسمع جيداً إضافة إلى «تلعثم في حديثه». يقول عيسى «عساكر الشيخ رموا بي أنا والثور من شعب كما قاموا بضربي وهربت أنا وأهلي إلى صنعاء طلباً للعدالة ولكننا ضُربنا أمام مجلس النواب وطعن أبي وأخي .. حتى الجناة أطلقوهم». صابرين أصرت على الحديث معي: «هربنا في جناح الليل تحت التهديد بقتلنا حرمونا من دراستنا وجاءوا إلى المجلس وضربونا .. كل يوم نشعر بالخوف .. إضافة إلى أننا نموت جوعاً» فقط منظمة (هود، وبلا قيود) يعطونا بعض المساعدات «نأكل كدمة وماء فقد بعنا كل شيء .. الجوع والخوف يحاصرنا.

أطفال .. القضية
جلس رافد ذو الست سنوات أمامي وقال أريد أن أتكلم وشرح تفاصيل معاناته أثناء وجودهم في قريتهم قاطعته قائلة بما كنت تشعر يارافد؟ أجاب: أشعر بالخوف وأصيح حتى أنني أحلم بذلك!! يقول والده عبده مهيوب: يعيش الأطفال حياة مضطربة لم تعد لديهم شهية، نومهم فزع وصراخ .. رافد أصيب بحالة التبول اللاإرادي بعد الحادثة .. الأطفال يستخدمون عبارات الضرب والقتل فقط يتدخل الشيخ قاسم بقوله: «الحالة النفسية أصبحت لدى الكبار .. فما بالك بالصغار. كلما يفز من نومه مرعوباً يجرى نحو الباب بخوف يريد الخروج ونحاول إرجاعه إلى نومه. تابعت الحديث مع رافد بقولي لماذا تذهب يارافد إلى ساحة الحرية قال: «لأن معنا قضية .. الشيخ أحمد أخذ بيوتنا وشردنا وأخذ كل شيء احنا ندافع عن قضيتنا». أقول للرئيس: «يعطينا بدل حقنا ويرجعنا لبلدنا ويهدم سجون الشيخ، تسير طلبت أيضاً الحديث لاحظت أثناء كلامها التوتر في حركات جسدها والخوف المسيطر عليها وهي حاولت التخفيف من الارتجاف لزيادة التوتر أثناء الحديث». «نحن في الفندق وأصحاب الشيخ أمام الفندق يهددونا بالضرب أو خطف الأطفال قالوا إنهم سيعملون أي شيء ليجننوا النساء» كلما نذهب لمجلس النواب ونسمع أنه لا يوجد فائدة يبدأ جسدي بالتشنج» وعيوني لا تقف عن الحركة إضافة إلى صراع رهيب، وزيادة مع الجوع والعطش الذي نعانيه .. فنحن نذهب للبحث عن المياه التي في الشوارع ونملأ الأواني، لأنه لا يوجد مال لشراء الماء. الحالة الإنسانية التي يمر بها أهل الجعاشن تستدعي تضافراً لإرجاع حقهم ولكن خذلتهم الحكومة والمجتمع يحصلون على بعض المساعدات الضئيلة من منظمتي (بلا قيود – هود) وبعض المحسنين ولكنها لا تكفي لعشرات من الأسر والتي معظمها من الأطفال وأسر لازالت تزحف للعاصمة. الأطفال دائماً هم الضحايا للعنف، فقد اتجهوا للشوارع للبحث عن مايسد رمقهم وتكفي حاجاتهم الأساسية. يقول مروان: إنهم يحاولون بيع قناني المياه وجمع مبلغ لشراء الطعام والذهاب إلى فرن المؤيد وجلب «الكدم» لأسرهم لأنهم إذا لم يعملوا ذلك: «سيموتون من الجوع». يتابع مروان «نتعرض للابتزاز من بعض المتسولين الذين يقومون بضربنا حتى نعطيهم المال أحياناً نستطيع الهروب وأحياناً يمسكون بنا ويأخذون مامعنا والمرور لايعمل شيئاً. سهيل .. وأخته يسرى يقولان: يتصدق الناس علينا تركنا بلادنا ودرستنا لم يعد لدينا شيء الأكل لم يعد متوفر أكثر الأيام «كدم وماء». عندما يهطل المطر نهرب إلى أقرب مسجد للإختباء هذه هي حياتنا لم نعد نلعب أو نريد شيئاً سوى الرجوع لبيوتنا.
«أما الشيخ الله لا سامحه»
سهيل أضاف نبحث عن عمل لكي لا نموت جوعاً ولكن لا يوجد فقط نريد أن نرجع لبلادنا ولكن إذا استمر ذلك سنقاتل على أنفسنا حتى نرجع البلاد. يعاني مهران عبده من اضطراب في دقات القلب لتعرضه للضرب الشديد من عساكر الشيخ والآن وضعه الصحي في خطر مثل الكثيرين من أطفال الجعاشن والذين يعانون من سوء في التغذية واضطرابات صحية ونفسية شديدة أكثرهم شاحبي الوجوه تقترب للصفرة أجسادهم الصغيرة زادت نحولاً إضافة لتعرضهم لأمراض عديدة بسبب قلة الطعام والأماكن غير الصحية التي يتواجدون بها وفوق ذلك كله حالتهم النفسية المتدهورة.

قنابل .. موقوتة
الأخصائية النفسية «أمل شمهان» والتي كانت تشاركني الحديث مع الأطفال حللت حديثهم وشخصيتهم في تقرير قدمته لمنظمة سياج بقولها: معظم الأطفال يعانون من اضطراب في النوم نتيجة الخوف والأحلام المزعجة: كما أن البعض يعانون من التبول اللاإرادي: الشعر بالجوع باستمرار نتيجة قلة الطعام الذي يحصلون عليه هم وأسرهم، سيطرة بعض الأفكار في أحلامهم وتصديقها: - التفكير بصورة دائمة في الانتقام والقتل .. والتصرف بعدوانية تجاه الآخرين واستخدام عبارات القتل والدم والسلاح والانتقام والانفصال عن الواقع «العيش في اللاواقع» وهذا يظهر واضحاً في حالة الطفل «رافد». وتابعت بقولها إن هذه الاضطرابات قد تسير نحو الأسوأ كلما ساءت الظروف المحيطة بهم خصوصاً مع عدم حصولهم على طعام كاف وهذا سيكون مؤشراً خطيراً لعدم توفر الشعور بالأمن النفسي والذي قد يدفعهم إلى ارتكاب أي عمل عدواني أو عنيف ضد الآخرين لتلبية الحاجة للماء والغذاء والتي تعتبر من أهم الحاجات الإنسانية لاستمرار الحياة.

رافد .. يستغيث
عيناه المفجوعتان .. بهذا الواقع المر الذي عجز خياله عن التكيف وتصديق كابوس التواطؤ الرسمي مع شيخ أقام قانونه على أرضية طفولتهم المحرومة. رافد يستغيت من عبودية استحوذت على الأرض والبشر وعلى أطفال حلموا بحرية لم تتجاوز شعورهم فقط بالسعادة. رافد نموذج لطفل استعبد الشيخ حتى أحلامه ونفسيته الصافية فحولها إلى قنبلة موقوتة تنتظر الانفجار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق