السبت، مارس 13، 2010

ذاكرة أبنائهم لا تحفظ سوى اسم الشيخ وعدد أفراد حراسته..نازحو الجعاشن..يجهلون ألوان العلم الوطني ولايعرفون السلام الجمهوري

الصحوة - مأرب الورد : ما يزال طاهر أحمد قاسم –أحد أبناء منطقة الجعاشن- معتقلاً بشكل تعسفي وغير قانوني في سجن إدارة أمن ذي السفال بمحافظة إب منذ قرابة شهر تقريباً، ذلك أنه لم يكن يتوقع منذ أن وطأت قدماه العاصمة صنعاء طلباً للرزق والعمل بأحد مطاعمها وهرباً من خوف وبطش شيخ الجعاشن محمد أحمد منصور أن يصبح بين ليلة وضحاها عرضة للمطاردة والاعتقال ولم يشفع له إن كان في العاصمة أو غيرها من المدن، طالما ويد الشيخ مازالت مطلقة في ملاحقة أبناء منطقته حتى لو كان ذلك خارج حدود مملكته المعروفة، مادامت عدالة الدولة وسلطة القانون لم يراد لها أن تأخذ مجراها.
لقد عاش طاهر قاسم أياماً عصيبة تنقل فيها بين سجن 14 أكتوبر بأمانة العاصمة لمدة أسبوع، قبل أن يحط الرحال في معتقله الثاني بمحافظته إب لمدة أسبوع أيضاً – وأما الجريمة التي على ذمتها صودرت حريته وكرامته، أن والده أحد الفارين مع ما بات يعرفهم العالم بنازحي الجعاشن والذين يقضون أكثر من شهرين في مخيمين للإيواء بساحة جامع الجامعة الجديدة بصنعاء. لكن ورغم مرور هذه الفترة ومع ما أخذت قضيتهم حيزاً واسعاً في وسائل الإعلام المختلفة المحلية والخارجية عن مجموعة من المواطنين يصلون إلى نحو 200 رجل مع بعض النساء والأطفال فروا منذ 3/1 من منطقتهم بمديرية العدين، بعدما بلغ الظلم والقهر ومصادرة الحقوق والحريات مبلغاً لم يعد يجدي معه سوى الهجرة من البيوت والمزارع بحثاً عن عدالة ينشدونها لإنصافهم وإرجاع الحقوق إلى أهلها. لكن ومذاك لم يجدوها حتى الآن رغم تصعيد قضيتهم على نحو لو كانت بدولة أخرى تحترم مواطنيها وتتحمل مسئولياتها لقدمت استقالتها.
وبحسب قاسم قايد _أحد النازحين الذي تحدث «الصحوة» أثناء زيارة المخيم، أن أسباب المشكلة الأخيرة بينهم وبين الشيخ يعود إلى إقدام الشيخ ولأول مرة لاستخدام الأسلحة الثقيلة والخفيفة بقصف منازلهم وبيوتهم، بعدما رفضوا دفع أموال الزكاة له بدلاً من الدولة.
ويحكي نازحو الجعاشن صوراً مأساوية لمدى الظلم الذي لحق بهم على مدى السنوات، ومن هذه الصور أن الرئيس في زيارة له قبل نحو 8 سنوات لمنطقتهم وأثناء تجواله في المنطقة أخرج يديه من نافذة السيارة التي يستقلها في تحية للمواطنين الذين اصطفوا على جانبي الطريق للتسليم والترحيب بقدومه، لكن الشيخ حول هذه الزيارة لمصلحته وأقنع الناس هناك أن الرئيس بتحيته لهم قصد بذلك أن يدفعوا مبلغ عشرة ألف ريال على كل واحد منهم متحايلاً وضاحكاً عليهم!!
ومما لايعلمه أحد عن أهالي الجعاشن أن التعليم في منطقتهم مغيب ولا يؤدي رسالته التنويرية والتربوية ورفع منسوب الوعي والإدراك بقيم الحرية والعدالة والمساواة، وربما هذا يفسر بقاءهم كل تلك السنوات تحت ربقة الظلم والاضطهاد، وحتى وإن وجدت مدارس فإنها لا تعدو عن كونها مبان مسخرة هي الأخرى في خدمة تجهيل الناس حتى يبقوا تحت السيطرة.. ومما أذهلني عند لقائي ببعض التلاميذ من أبناء النازحين أنهم لا يحفظون إلا اسم الشيخ وعدد أفراد حراسته، ولا يعرفون إلا المواكب والسيارات التابعة له، وأما المعلومات المتعلقة بتاريخ وجغرافية بلادهم فإن لا مكان لها بذاكرتهم.
ويقول عيسى مهيوب -13 عاماً- ورغم أنه يدرس في الصف السابع بمدرسة سعد بن أبي وقاص بالجعاشن، إلا أنه ولأول مرة يعرف متى خرج آخر جندي بريطاني من عدن في صنعاء، وإلى عند هذا الحد ربما يكون ذلك ليس بغريب قياساً بأوضاعهم، وإن كان مثل هذا التبرير مقنعاً، فإنه لا يسعنا في المقابل إلا أن نقول على التعليم في بلادنا السلام وعلى المسئولين عن الإدارة التعليمية أن يراجعوا سياستهم واستراتيجياتهم بدلاً من الانتظار لحدوث مشكلة جديدة لتكشف لنا الحاجة الماسة للمراجعة وإعادة الأمور إلى نصابها، وعلى ذات السياق فقد اندهش أحد المدرسين الذين يدرسون هؤلاء التلاميذ بالمدرسة الملحقة بالمسجد المجاور للمخيم عندما طلب منهم أن يقوموا برسم علم اليمن، وإذا به يتفاجأ بجهلهم وعدم معرفتهم بألوان العلم الوطني، ورسم كل واحد منهم بلون واحد فقط، وأكثر من ذلك اندهش الأستاذ عندما سألهم عمن يحفظ النشيد الوطني، وكانت الإجابة أن لا أحد منهم يحفظه، بل ولا يعرفونه، فيما الذي قال منهم أنه يحفظه، ولما بدأ بترديده تفاجأ الأستاذ أنه يردد النشيد المعروف ظناً منه أنه النشيد الوطني (أمي وأبي أغلى النسب.. وهما عوني عند الطلب).
وظهر عند ذلك أن العلم الوطني ليس وحده الذي يعاني الجهل به وتواريه عن عقول هؤلاء التلاميذ، فإن النشيد الوطني هو الآخر ليس أفضل حالاً، وإنما يعاني من الغياب والضياع من ذاكرة هؤلاء الطلبة ولم يعد له حضور في طابور الصباح المدرسي.
وفي آخر قصص الرثاء والحزن عن هؤلاء النازحين ما أخبرنا به قاسم قايد أن والده أخبره أنهم في المنطقة لم يعيشوا في كنف الحرية في عهد الثورة سوى عامين فقط، كانت تلك الأيام الجميلة في عهد الرئيس الراحل (إبراهيم الحمدي) عندما تولى حكم البلاد في سبعينيات القرن الماضي، حيث قام بسجن الشيخ المنصور لمدة شهر بصنعاء، فضلاً عن أوامره وتوجيهاته للشيخ بأن يعيش كأي مواطن في المنقطة دون تجبر أو ظلم، وهو مالمسوه عل أرض الواقع حيث لم يكن للشيخ أي سلطة أو وصاية عليهم كما يقولون، وإنما كان مثل أي واحد منهم، وما عدا ذلك فإن حياة الجحيم والبطش هي التي كانت سمة السنوات التالية على ظلم الشيخ حتى الآن.
وما نود أن نشير إليه هنا هو أن طول بقائهم في صنعاء في مخيمين للإيواء ترتب عليه معاناتهم من النقص في المواد الغذائية الضرورية كالدقيق والسكر والرز وغيرها، ورغم تكفل بعض الجمعيات والمنظمات في إمدادهم ببعض المساعدات، إلا أنهم بسبب طول فترة بقائهم تحدثوا عن نفاذ مابحوزتهم، وأن أياماً مرت عليهم لم يتناولوا فيها إلا وجبة واحدة في اليوم، وهو ما يجعلنا نناشد بحسب طلبهم هذه المنظمات والجمعيات وأهل الخير باستمرار العطاء وتقديم يد العون والمساعدة من المواد الغذائية كواجب ديني وإنساني وتعزيزاً لقيم التكافل والتراحم، طالما وأن مشكلتهم لم تحل بعد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق