الأحد، يناير 31، 2010

محنة مهجري الجعاشن.. مستمرة!

المصدر أونلاين - يوسف عجلان
كان أكرم يقلب صفحات جريدة "الثورة" كعادته كل يوم منذ أن وطئت قدماه صنعاء نازحاً من قريته، هرباً من بطش الشيخ وجبروته.
أكرم الكامل، أحد النازحين من الجعاشن، يعلم يقيناً أن "الثورة" - الصحيفة الممولة من الخزينة العامة- لن تتطرق إلى قضية تهجيره ورفاقه من الجعاشن، لكنه كل يوم يقلبها دون يأس عله يجد فيها خبراً عن توجيه رئاسي بإنصافهم وإعادتهم إلى بيوتهم، ولو من باب إسقاط الحرج عن الأخ الرئيس الذي لجأوا إليه.
انتهى أكرم من تقليب الجريدة ووصل إلى الصفحة الأخيرة ليتبدل وجومه دهشة متزايدة وخرج عن صمته وتحديقه في صفحات الصحيفة ليتمتم بصوت مسموع، "هه! هذا صلعته تشبه صلعة شيخنا، لكن شيخنا ما يلبسش كرفته، والله أنه هوه هوه". كانت الصدمة قد جعلته يتأخر في قراءة مضمون النص الوارد بجوار الصورة، لكنه قرأ وأصيب بخيبة أمل. نادى على صاحبه الذي كان يجلس على المقعد المجاور لفرزة الجامعة- جولة تعز يحصي خطوات الطلبة وهم يسيرون باتجاه بوابة الجامعة: "يا محمد ما بش فايدة.. قضيتنا شكلها عاديه شتطول"، لم تكن بشارة خير يتلقاها محمد، لكنها إعلان بطول المحنة والتشرد "لمو يا أكرم؟ لا صبّحك انت دائما متشائم؟" اقترب أكرم من صاحبه تعلوه ابتسامه تطفح بالمرارة والشعور بالغبن "قد ذا الشيخ فعل للرئيس قصيدة، يعني دفع ضريبة تشريدنا"، وابتدأ يقرأ بنبرة مغتاضة.
لم يستطع مواصلة قراءة القصيدة - المعنونة بـ "وليدم ناصر البلاد علي" -على الرغم أنها قصيرة، فبعد أن أكمل البيت الثالث من القصيدة "وحدويون في الحياة وفي الموت وعند النشور في الأكفان" صرخ في وجه صاحبه ومن كان قد تحلق حولهما من القاطنين في مخيم "جعاشن 3" أيش يعني.. ما وحدوي إلا هو وعياله؟ يقتلنا ويشردنا ويهرب من هذا كله بقصيدة! إنا لله وإنا إليه راجعون.". كان المشهد أكثر بؤساً مشهد رفاقه الذين لا يزالون متشبثين ببطانياتهم طمعاً في لحظات دفء في المخيم بجوار جامع الجامعة.
"ليش ما قد سووا لكم شي إلى الآن؟" بهذا السؤال حاولت التدخل في الأمر كمدخل لإنجاز تقرير صحفي جئت إلى هنا من أجله. لكن الرد كان كما هو متوقع "والله يا صاحبي ما قد عملوا لنا شي". قالها ماجد بعد أن عرفني فقد زرته إلى ذات المخيم في المرة السابقة، ومضى يوضح لي كيف أن الصمت الرسمي تجاه قضيتهم أقسى عليهم من موجات الصقيع التي صمدوا تحتها الأسابيع الماضية.
أكثر من 200 شخص، نساء ورجال وأطفال، يقبعون هنا في خيمتين أقامتهما لهم جمعية الإصلاح ووفرت لهم بعض الفرش والأغطية ليحتموا بها من برد الشتاء القارس الذي شهدته ولا زالت تشهده العاصمة صنعاء، وتقيهم حرارة الشمس التي تكويهم نهارا.
أطفال شردوا مع أسرهم، وآخرون حال هروبهم من قراهم بينهم وبين مدارسهم، فبينما يتوجه في الصباح الباكر الآلاف من أبناء العاصمة إلى مدارسهم لتأدية اختبارات نصف العام الدراسي، يقف أبناء الجعاشن داخل الخيمة ينظرون إلى أنفسهم متحسرين على عام دراسي فات ومستقبل يبدو أنه سيضيع وهم يناضلون للتحرر من ربقة استبداد الشيخ.
"هود" تمنحهم شعوراً بالقوة
كان النازحون، وبقدر تعبيرهم عن مرارة التشرد والشعور بالخذلان من الدولة ومن الرئيس شخصياً، كانوا يعبرون عن ارتياحهم للتكريم الذي لاقوه من منظمة هود إلى جانب دعمها لهم ومساندتها لهم مادياً ومعنوياً، يضيف أكرم: "الله يحفظ الأستاذ محمد ناجي علاو وزملاؤه في منظمة هود، وقفوا معنا موقف محترم، وبمساندتهم ومساندة الحقوقيين والصحافيين لنا نشعر بأننا أقوى من جبروت الشيخ وخذلان المسؤولين"، وقال إن التكريم الذي قدمته هود للنازحين يدفعهم للإصرار والاستمرار في المطالبة بحقوقنا والتمسك بها، وعدم الخوف مما قد يحدث لنا".
سعيد حمود ناجي كرمته هود في حفل أقامته لتكريم ضحايا الانتهاكات خلال 2009 لأنه كان له سابقة مع شيخ الجعاشن، غادر منطقته قبل أيام وأتى إلى صنعاء ليستلم جائزة هود لحقوق الإنسان كنموذج وقف في وجه ظلم الشيخ واستطاع بمساندة قانونية من "هود" أن ينتزع حقه ويحصل على أحكام قضائية أعادت له حقه، كما حصل زميله محمد الخولاني على جائزة مماثلة بالإضافة الى جائزة باسم نازحي الجعاشن تسلمها عنهم.
يروي لنا سعيد ما حدث له في عام 1997 حين سجن على ذمة عدة قضايا قال أن شيخ الجعاشن قد قام بكيدها له، حين كان ينتقد الأوضاع التي كانوا يمرون بها في تلك الأيام في قريتهم عبر الصحف، معتبراً بأن تلك الانتقادات كانت رسالة إلى الرئيس لعل وعسى أن يتفقد أحوالهم وينقذهم مما أسماه الظلم الكبير الذي عايشوه ولا زالوا يعايشوه.
محاولة قتل أحدهم، وسلب أموال آخر، والسطو على ممتلكات وأراضي شخص آخر، وغيرها من القضايا والتهم التي وجهت له في المحكمة،ليصدر الحكم بحبسه ثلاث سنوات كاملة ليأتي حكم الاستئناف ويأتي الشهود الذي قال بأنهم من شهدوا عليه في السابق بقيامه بتلك التهم، غير أنهم تراجعوا بعد ذلك واعترفوا بأنه تم تهديدهم من قبل الشيخ محمد منصور وأرغموا على قول ذلك.
وكانت الاعتصامات التي أقامها أهالي الجعاشن أحد وسائله التي شارك فيها ليشرح فيها معاناته وما تعرض له، ففي عام 2007 التزم مجلس النواب للمنظمات التي كانت تقف بجانب أهالي الجعاشن بتسوية مشكلتهم وإعادة حقوقهم، وهو ما تجسد ذلك بحد قول سعيد حين عاد برفقة 70 شخصاً ومعهم عضو مجلس النواب عبد الإله القاضي وتم تعويضهم بمبالغ من 200 ألف إلى 400 ألف كل بحدود ما تعرض له، والتزم حيالها الشيخ محمد منصور بعدم التعرض لهم.
يقول ومن ذلك الحين توقفت اعتداءات الشيخ، لكننا لم نستيقظ ذات يوم إلا على صرخات أهالي القرية المجاورة لنا وعلى أصوات المدافع والرشاشات التي أطلقت على منازل تلك القرية، وحين طلبت مني منظمة هود أن أحضر إلى صنعاء لأتسلم جائزتها وأكون ممثل أهالي الجعاشن حضرت إلى هنا وكرمتني هود، وبقيت هنا في هذا المخيم لأتضامن مع إخواني الذين سلبت كرامتهم وهدمت منازلهم وشردت أسرهم.
وعن التكريم الذي قامت به منظمة هود في يوم بصنعاء وكرمت فيه عدد من الشخصيات تسلم سعيد حمود ناجي جائزة هود لحقوق الإنسان ممثلاً عن نفسه وعن أهالي الجعاشن، ويقول " هذه الجائزة لا أعتبرها جائزة لي وإنما هي جائزة لكل مظلوم تشرد وظلم من قبل شيخ الجعاشن ولكل شخص انتهك عرضه وحياته ودمرت منازلهم في كل أرجاء اليمن.
" أصبحت لا أبالي، إن حدث لي ما حدث لهؤلاء وقد تعودنا على الظلم، ولن نهاب أي شخص في الدنيا مهما يكون". اختتم كلامه وهو يشير إلى جائزة هود التي قال بأنها أعطته دافعاً كبيراً لمقاومة الظلم، وشعوره في نفس الوقت بأن هناك من يدافع عن الحرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق