الاثنين، فبراير 08، 2010

تعليقاً على شيخ الجعاشن .. لنبحث معاً بمواطنة المهجرين وليس أحزابهم

رشاد الشرعبي Rashadali888@gmail.com
"في هذه الأيام (بعد نكسة 1967) التي أصبحت أعصابنا فيها رماداً وطوقتنا الأحزان من كل مكان", كانت هذه جزء من رسالة كتبها الشاعر نزار قباني للرئيس جمال عبدالناصر - رحمهما الله- يبرر قصيدة له كتبها بعد النكسة وتعرض لحصار رسمي إعلامياً وفنياً وثقافياً في مصر بسببها.
وذكر نزار في الرسالة أن قصيدته التي تسببت في الغضب المصري القاسي "أودعتها خلاصة ألمي وتمزقي, وكشفت فيها عن مناطق الوجع في جسد أمتي العربية, لإقتناعي بأن ما أنتهينا إليه لايعالج بالتواري والهروب وإنما بالمواجهة الكاملة لعيوبنا وسيئاتنا".
وأضاف شاعر العرب "وإذا كانت صرختي حادة وجارحة, وأنا أعترف سلفاً أنها كذلك, فلأن الصرخة تكون في حجم الطعنة, ولأن النزيف بمساحة الجرح".
توقفت كثيراً وأنا أقرأ مقابلة شيخ الجعاشن الشهير في صحيفة حديث المدينة, وكانت محتوياتها تجبرني على الرجوع إلى كلمات نزار قباني والتمعن فيها ككلمات صادقة ترسم شكل العلاقة المفترضة بين المثقف والمجتمع والسلطة الحاكمة وإلى أي طرف يفترض بالمثقف أن يكون إنحيازه أكثر وأرسخ.
ورغم أنه ليس موضوعياً المقارنة بين ذاك الشاعر والزعيم الراحلين وبين هذا الشاعر والحاكم الجاثمين, لكن رسالة نزار فرضت علي التعليق على مقابلة الشيخ رغم أن مقالة الصديق العزيز فكري في ذات الصفحة كان فيها الكفاية.
وأعتقد أنه لم يكن هناك من جديد في رد الشيخ على الصحفي سوى أنه يمكن لأول مرة يظهر في حوار صحفي حول قضية الظلم لأبناء منطقته ومن يعتبرهم (رعيته) بالمعنى السلبي وليس كما ورد في حديث للرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) "كلكم راعٍ ومسئول عن رعيته".
وبدت المقابلة رغم جهود المحرر في أسئلته وأنها لا تختلف عن خطاب النظام الحاكم - ولو أختلفت التفاصيل – بإنكار الواقع ومحاولة البحث عن شماعات واهية كالأحزاب والخصومات الشخصية وهي التي يمارسها النظام لتقزيم القضايا وإشغال الخصوم في الدفاع عن أنفسهم ونسيانهم للقضايا الأساسية وهو مانراه يحدث للأسف مع الأحزاب والنقابات وقوى المجتمع بمختلف أطيافها.
فقد أظهر ناظم الشعر ومادح الحاكم وشاتم خصومه, الإصلاح كحزب وأعضاء منضووين فيه هم الأشباح التي صنعت مآساة 150 طفلاً وإمرأة وشيخاً من أبناء جلدته, وما هو إلا ملاك يسعى لرفاهيتهم والذود عن حياض مصالحهم وتقديم الخدمات لهم, ولم يسلم الموتى من الإساءة إليهم كحال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي الذي لم يجمع اليمنيين على أفضلية أحد من قياداتهم كإجماعهم عليه شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً.
وكالعادة فقد حاول الشيخ جرجرة الجميع إلى قضايا هامشية بين إصلاحية المهجرين وخصومة المحامي القدير محمد ناجي علاو الشخصية, فيما كان النقاش المفترض عن مواطنة هؤلاء المهجرين في الخيام بصنعاء بين صقيع البرد وشديد الفقر والذل والمهانة, على بعد كيلومترات من مرقد صانع القرار وحامي الدستور والثورة والجمهورية والديمقراطية, وعما إذا كانوا يحوزون على وثائق رسمية تثبت يمنيتهم وقبل ذلك إنسانيتهم وتضعهم في مرتبة المواطن ليظللهم الدستور بنصوصه رغم مافيها من إعوجاج.
فقط أمر واحد كان فيه الشيخ واضحاً وحاسماً, حينما قال أنه لو كان مكان الرئيس فإنه سيلحق بالصحفيين الذين كتبوا عنه مالا يتخيلونه من الثأر والإنتقام كالذي حدث ويحدث للزميل محمد المقالح وقبله الخيواني وعبدالرحيم محسن وفهد القرني وقائمة طويلة من الصحفيين وغير الصحفيين.
يتوجب علينا جميعاً أن نبحث في مصداقية مايقوله مهجري الجعاشن ومواطنيها حول مايتعرضون له من طغيان وجبروت وسحق لآدميتهم وليس فقط لمواطنتهم, مادامت وثائقهم الرسمية والبطائق الإنتخابية وبطائق العضوية في المؤتمر الشعبي الحاكم والواقع والتاريخ والجغرافيا الطبيعية والسياسية ومعالم وجوههم وعاداتهم وتقاليدهم وتصرفاتهم وفقرهم وضعفهم وهوانهم على الناس, تؤكد جميعاً أنهم ينتمون للجعاشن في محافظة إب الجمهورية اليمنية.
ثم يتوجب الوقوف في صفهم ومساندتهم ليس لكونهم مظلومين فقط, بل لأنهم يجاهدون لمنح الدولة التي لم تولد بعد هيبتها المسفوحة على مسالخ المشيخ بإعتبارهم يحملون الحلم الذي حمله أحرار اليمن في 48 و55 و1962 بوجود دولة يعيشون فيها مواطنين بكرامتهم وإنسانيتهم تحميهم نصوص الدستور والقوانين ويجدون الأمان عندما تتغول عليهم السلطات التنفيذية لدى سلطتي القضاء والبرلمان.
ليس من المهم أن نناقش الإنتماءات الحزبية لهؤلاء وغيرهم سواءاً كانوا مؤتمريين أو إصلاحيين أو إشتراكيين أو إسماعليين أو ناصريين أو سلفيين أو زيديين أو يهوداً أو نصارى, فقط يتوجب علينا البحث فيما إذا كانوا يتمتعون بالكرامة الإنسانية والمواطنة المتساوية والعدالة الإجتماعية والمساواة أمام القانون.
• وقفة
سمعت ذات مرة أحد شخصيات الجعاشن المرموقة والسمعة الطيبة يتحدث عن لحظة تعارف جمعته بوزير سابق للثقافة سأله مستغرباً بمجرد أن عرف أنه من الجعاشن عن حقيقة مايسمع عن ظلم وجبروت الشيخ الشاعر, مؤكداً له أن الشاعر عادة يتمتع بحس مرهف ومشاعر رقيقة وإنسانية مفرطة فيما أن شاعر الجعاشن هذا وشيخها جمع مابين النقيضين الشعر والمشيخ بجبروته وهمجيته وهما ضدان لايلتقيان إلا في حالات نادرة كشأن الجعاشن.
حديث المدينة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق