الثلاثاء، فبراير 23، 2010

الجعاشن.. خفايا وأسرار وقصص من ذاكرة الرعب

العاصمة نت : كتب/ عمر العمقي :
’’ما رأيك لو نقوم بزيارة إلى الجعاشن’’مقترح عابر قدمته للزميل رئيس تحرير العاصمة ذات مقيل مطلع الشهر الماضي ، وبالرغم من إيماءات الموافقة التي لمتخلو من ملامح الاندهاش وقلق المهنة المتجاذبة بين نجاح نجاح الفكرة وبين خسارة صاحبها.ولأن المهمة صعبة وخاصة من قبل صحيفة إصلاحية تلقت –سابقاً- أكثر من نصيحة بعدم التفكير في مثل هكذا أمر، فقد استحال المقترح إلى نوع من الأمنية التي لا تستحق خوض مغامرة من هذا القبيل، بقدر ما تستدعي إطلاق قهقهات حزينة في فضاءات الحلم الموؤد.الأسبوع الماضي تم تكليفي من قبل رئيس تحرير /’’حديث المدينة/’’ بالذهاب إلى منطقة الجعاشن ، فلم أجد نفسي مضطراً للتراجع خاصة وأنا أعمل لحساب صحيفة سبق لها أن انفردت بإجراء حوار صحفي مع شيخ الجعاشن الذي بادر فيه إلى دعوة الصحفيين إلى زيارة المنطقة.وحين تم اعتقالي في منزل شيخ الجعاشن كان رئيس تحرير العاصمة واحداً من الزملاء الذين غمروني بتضامنهم معي عبر الهاتف، وعندها لم أملك إلا أن أعده بتحقيق تلك الأمنية ولو في حدها الأدنى الذي يكفي لتعزيز ثقتنا بأن لا مستحيل..
كتب/ عمر العمقي
أكثر من /’’80/’’ ألف نسمة منطقة الجعاشن /’’360كيلو متر مربع/’’ يتوزعون على ثمان عزل كبيرة هي (بني عبدالله- ذي الحود والمعاين- ريدة وريد- الدخان- العنسيين- الحبلة- رعاش- الصفة) وفيها دائرة انتخابية واحدة استحوذ على مقعدها البرلماني نجل الشيخ /’’محمد/’’ والذي يحضى بمكانة محمودة بين السكان المحليين.تخلو المنطة من رجال الشرطة الذين انحصر دورهم على احتجاز من يقوم الشيخ بإرسالهم حسب قائد الحرس المشائخي/’’الشيخ ما بش معه سجن، والذي نضبطهم نقوم بنقلهم إلى إدارة الأمن/’’عند وصولنا منطقة الجعاشن تفاجئنا بخلوها من السكان المناوئين للشيخ باستثناء الأطفال والنساء المكرهين على البقاء لظروف معيشية او اجتماعية أو غيرها.المنطقة حالياً اصبحت اقطاعية يحتكرها الشيخ واتباعه المطيعين فقط لا غير!الطفل أنور محمد (15 عاماً) وجدناه يعيش ببقايا طفولة مهددة بالاندثار، يتحدث إليك بلغة حزينة: /’’أبي وأخي هاربين من الشيخ لانهم شهدوا بالمحكمة، وعسكر الشيخ جاؤوا يوم الاثنين يبحثوا عن أبي ودخلوا البيت بالقوة ولا يوجد فيه إلا أنا وأمي وأخوتي الصغار/’’ويضيف أنور: الشيخ يبزّ زلطه مننا مثني مثلوث وعندما يقع مطر يقول : يالله زلط/’’ سألت أنور: لماذا لا تهرب إلى صنعاء؟ فأجاب بأن أسرته ستتضرر وسيتم طردهم من قبل الشيخ وعساكره!عادل مرشد /’’ متزوج/’’ يقول بأن عسكر الشيخ وصلوا إلى قريتهم /’’ الشقة/’’ وقاموا بالقبض على علي أحمد قاسم ناجي، وهو مختفي حتى اللحظة ولا نعرف عنه شيئاً/’’ويضيف /’’ عادل/’’ أن أغلب الناس هنا في الجعاشن يتداولون خبر قيام الشيخ بإحضار طقم عسكري /’’ملان قيود/’’ بنتظار العائدين المتمردين من صنعاء وإب.ويكشف عادل عن هوية القائد الميداني لعسكر الشيخ وإسمه رشاد خمود منصور، وهو من سكان قرية الشيخ /’’الحبلة/’’ يؤكد على أنه يمارس كل أنواع العنف والنتهاكات ضد المواطنين المناوئين للشيخ، ولا يتورع في نهب أدنى الممتلكات الرخيصة.عدنان قاسم /’’ 13/’’ سنة يقول بأن والده متوفي وأخوانه الـ/’’3/’’ مهجرين.عدنان لا يرغب في البقاء بمنطقة الجعاشن، لولا والدته الطاعنة في السن والمحتاجة إلى جلوسه معها لرعايتها.يؤكد عدنان بأن عسكر الشيخ جاؤوا قبل أسبوعين للبيت وفتشوه ، ولأنهم لم يعثروا على أي متاع فقد أخذوا تلفون عدنان المحمول قال بأن أخوته أشتروه له بالفين ريال للتواصل معهم، ولم يكتف العسكر بالتلفون بل أخذوا التلفاز /’’الخارب/’’!!ويسرد عمرو أحمد/’’13سنة/’’ أسماء بعض الممتلكات التي سطى عليها عساكر الشيخ الذين لم يتركوا له من أثاثه شيئا، فقد سطوا على (بندقية آلي- وشميزر – وعفش البيت) حتى مفتاح دبة الغاز لم ينجو من أيادي هؤلاء العكفة، بل أنه من الطرائف التي يحكيها عدنان أن عسكر الشيخ حاولوا أخذ /’’لمبة الكهرباء/’’ وعندما لم يستطيعوا الوصول إليها قاموا بكسرها!!!. عند اعتقالي قال /’’أمين فيصل/’’ – قائد حرس شيخ الجعاشن- : /’’مو تشتي تهرب؟/’’.. يقترب أحد الجنود إلملثمين يوكزني ببندقيته، ويضع اصبعه على الزناد ويطلق /’’13/’’ طلقة نارية، وحينها جثوت على ركبتي خوفاً وهلعاً.يضيف قائد الحرس/’’ احنا اربعمائة عسكري والدولة هي الشيخ والشيخ هو الدولة، وأنت بتصدق لك هؤلاء المخربين .. كل شيء حق الشيخ، وهم خارجين على النظام والقانون/’’سألته عن المهجرين فأجاب: /’’ موه صدقت كلامهم، هم شركاء عند الشيخ، وما التزموش بدفع الضمان للشيخ.. واحنا أمهلناهم ، وبعدين قمنا بإخراجهم من بيت الشيخ وهم ضربوا علينا الرصاص وقاموا يقاتلونا ، وساروا لصنعاء يشوهوا بسمعة الجعاشن/’’بعد أن وجه الشيخ محمد أحمد منصور بإخراجي من السجن ونقلي إلى إحدى غرف منزله، حينها كان لا يزال في المعتقل أصدقائي الذين قاموا بمرافقتي لزيارة قرى المهجرين، يصفهم قائد الحرس بقوله: /’’ هؤلاء اصحابك مجرمين ومطلوبين للأمن/’’ فسألته : أين هذا الأمن الذي تتحدث عنه؟، فأجاب:/’’ واحنا ما امليناش عينك، احنا رجال الدولة، ونقوم بتعزيز الأمن والاستقرار، والمبنى حقهم في ذي السفال روح شوفه/’’ينقلني الجنود إلى البيت الأبيض /’’ منزل الشيخ/’’ لأستقر في إحدى غرف الطابق الأول لحظات ويتبعني قائد الحرس قائلاً: /’’ هذه قهوة قشر من حق الشيخ/’’ فلم أملك سوى كظم غيضي وكتم رغبتي التي لا تستسيغ القشر، لكن رشفة منها دفعتني لإنهاء كل ما كان في الثلاجة.يعود قائد الحرس مجدداً ليعطيني بعض مقتنياتي المسلوبة/’’ هذا ما شلوه العسكر منك، شوف بو حاجة ناقص/’’عند العاشرة ليلاً مساء الاثنين الفائت دخل قائد الحرس مبتسماً وحدثني بهدوء تام لعلها توجيهات الشيخ ، فال /’’لمو ما تتصل لناش وتقل لنا أنك واجي واحنا نستقبلك للقاعدة، يرضيك هذه البهذلة والاحراجات ، أنت طيب وهؤلاء (.....) غرروابك ، لازم تستأذن، الأوضاع عندنا خطيرة بسبب هؤلاء المتمردين القتلة، هم قتلوا واحدة من النسوان ،هذا يرضيك/’’ والله لوما الشيخ والعسكر حقه إن احنا أعظم من صعدة، مو قصدك إن هؤلاء مساكين، حرام لا يخلوا الدنيا خراب كله، واحنا نخلي الأوضاع مستقرة والأمن /’’مستتب/’’وحين تلقيت اتصالات عديدة من الزملاء الأعزاء انزعج من حديثي معهم:/’’لمو مو تقل لهم إنك بخير وخلاص ، بدل من الشكى حقك، والله لو أنت عند ناس غيرنا أنهم قتلوك.الأمطار الغزيرة كانت سببا وراء البرد القارس فخشيت من أوجاع كليتي أن تنتابني من ذلك الصقيع، لكني أفضل حالاً من أؤلئك المعتقلين الثمانية، والذي تسببت بالزج بستة منهم خلف الجدران الأربعة نظير مرافقتهم لي أثناء مهمتي الصحفية هذه.يبادر الأخ العزيز فكري قاسم –رئيس تحرير حديث المدينة – والتي أعمل لحسابه، بالاتصال بنجل الشيخ/’’عبد الملك/’’ ويتلقى منه وعداً بنقل أصدقائي ، انتظرتهم كثيراً ولكن دون جدوى، يجبرني أحد الجنود على النوم ولكن تلك الفئران الثلاثة والحشرات الزاحفة وتحديداً القمل ن حالت بيني وبين النوم.يقول أحد النوم: ما بش نسوان بالبيت وهذا خلا الفئران والحشرات /’’هونه/’’تمكنت من النوم بعد الفجر، وعند السابعة والنصف يوقظني مكبر الصوت بمدرسة القرية /’’الحبلة/’’ على أنغام صاحب النشيد الوطني الفنان أيوب طارش وهو يشدو بصوته/’’يا سماوات بلادي خبرينا/’’أقوم بجولة سريعة داخل الدار البيضاء والمكونة من ثلاثة طوابق، أرى كتاباً مدرسياً نزع غلافه وأوراقه العلوية، تبين لي أنه مادة اللغة العربية من عنوان درس القراءة/’’اهتمام الثورة بالزراعة والمزارعين/’’كان بجوار الكتاب قميص عسكري نال الإهمال من صاحبه الذي استغنى عن ارتدائه، وعن بيادته العسكرية.بالقرب من ذلك كانت هناك أدوات سبق استخدامه من قبل كقواعد حديدية لنصب الرشاشات والمعدلات عليها.وفي دهاليز الدور الأول أيضاً صنادق خشبية مغلقة بإحكام ومتفاوتة الأحجام، غير أن أصغرها حجماً /’’متر طولاً والنصف من ذلك ارتفاعاً وعرضاً/’’ منزوع غطاؤه وبداخله رصاص أحجامها بطول كف الانسان البالغ.خرجت إلى ساحة الدار وميكرفون المدرسة مستمراً في بث الأغاني الوطنية للفنان أيوب طارش، حينها شاهدت منظراً بديعاً .. دار الشيخ مبنية على قمة الجبل ..رأيت الغمام يغطي كل ما هو أدنى من دار الشيخ..إنه يحجب عن عينيك رؤية القرى والمساكن والأراضي الزراعية، لا شيء أمامك سوى السحب البيضاء التي تحجب رؤية الشمس التي تنبئك عن يوم جديد، بعد أن وقفت برهة من الزمن وأنا أتأمل ذلك المنظر الإلهي طلب مني أصدقائي الذين خرجوا للتو من معتقلهم مساعدتهم على فك القيود الحديدية التي تطوق أقدامهم، فشلت محاولتي فذلك يتطلب قوة وخبرة لا أملكهما، فقام ثلاثة من العسكر بتلك المهمة.خصصت الجهة الجهة الجنوبية من الساحة كموقف للأطقم العسكرية والتي تظللها أسقف حديدية ، إحدى تلك الأطقم صعد عليهلا قائد عسكري وتسعة من الجنود أنيط بهم نقل أصدقائي إلى جهة مجهولةن قال عنها قائد حرس الشيخ بأنها إدارة أمن المديرية رغم عدم حصولي على تأكيدات أمنية بذلك، إلا أن أمين فيصل قائد الحرس برر هذا التصرف بقوله: /’’هم مطلوبين أمنياً لارتكابهم جرائم جنائية/’’ فقلت له: هؤلاء الشباب يسكنون بالقرب منكم ويومياً يذهبون للمدرسة فلماذا لم تقوموا بالقبض عليهم في السابق؟ فلم يجبني لأن تهمتهم هي مرافقة الصحفي وإدخاله للمنطقة التي عجزت اللجنة البرلمانية عن دخولها بعد أن أبلغهم محافظ إب الأسبق عن عجز الدولة هناك عن حمايتهم والحفاظ على سلامة أرواحهم.وصلت إلى مدينة القاعدة عند الواحدة والنصف ظهراً برفقة مبعوث شيخ الجعاشن المكلف بإطلاق سراحي الشيخ محمد أحمد غانم، وعند تمام السادسة والربع من مساء الثلاثاء الماضي وبعد تدخل عبدالملك نجل الشيخ أنهى مبعوث الشيخ ومرافقيه مهمتهموصرت طليقاً بعد مرور (24) من اعتقالي واقتيادي بالقوة من جنود الشيخ.

هناك تعليق واحد:

  1. April 2007

    http://janenovak.wordpress.com/2007/04/17/political-tribalism-in-al-ja%e2%80%99ashen-yemen/

    Political Tribalism in al-Ja’ashen, Yemen

    ردحذف