الاثنين، فبراير 22، 2010

أربع ساعات في منطقة الخطر..الأهالي في زيارة "غير رسمية" لمملكة الجعاشن!

تقرير لمحمود طاهر أبو خليفة الأهالي نت من التهجير الثاني لأبناء الجعاشن :
عندما وصل إلى سمعي أن أبناء الجعاشن «العنسين» تحديداً نفذوا اعتصاماً الاثنين الماضي: 9/6/2008م أمام منزل محافظ إب القاضي الحجري استغربت ذلك لأني كنت أظن أن قضية أهل الجعاشن والعنسين قد حلت وطوي ملفها. لكن عودة تلك الاحتجاجات جعلتني أقرر السفر إلى هناك إلى حيث منبع المأساة لأتعرف عن قرب على هذه المنطقة من «ألفها إلى يائها» ومن «طق طق إلى السلام عليكم». وفور علم بعض الزملاء بقراري هذا حصلت منهم على أكثر من تحذير كون المنطقة لم يزرها صحفي من قبل فما زادتني كل تخويفاتهم إلا إصراراً وعزيمة.
استقللت سيارة من مدينة القاعدة -مفرق ذي السفال، وسافرت وأنا أتمنى أن تكون رحلة «الحرية والبحث عن العدالة». عند وصولنا مدخل عزلة الجعاشن استوقفني صورة كبيرة مجسمة للشيخ «محمد أحمد منصور» على جدران أحد الخزانات, والى جوارها صورة للرئيس لكن بحجم أصغر بكثير!! أدركت حينها -طبعاً- أن عليّ أن ألزم الصمت وأن أنتبه من القادم، فأنا في «مملكة الجعاشن». استمرت الرحلة لأفاجأ بسيارة شاص لا تحمل لوحات معدنية على متنها أكثر من خمسة عشر مسلحاً, سألت من بجواري: أيش قصة هذه السيارة؟ أجابني بعد أن صمت برهةوبصوت خافت «هذا طقم تابع للشيخ بقيادة أمين فيصل».
حقيقة لأول مرة أحس بمرارة الظلم وتأثيره على النفوس فمنذ أن سافرت إلى أن وصلت لم أسمع سوى «الله والشيخ» فالناس هنا لا تعرف سوى أوامر الله وأوامر الشيخ. حاولت أن أستفسرهم عن أحوالهم وكيف يتعامل الشيخ أو العدل معهم فلم يجبني أحد بمعلومة مقنعة وشافية سوى: الشيخ قال، الشيخ دخل, الشيخ خرج, الشيخ طلع, الشيخ نزل..».

عن الشيخ والمنطقة
ولد الشيخ محمد أحمد منصور عام 1930م في عزلة العنسين مديرية ذي السفال، درس فيها وتقلد عدة مناصب سياسية وكان عضوا في مجلس محافظة إب، ثم محافظا للبيضاء، ثم عضوا في مجلس الشعب، وأخيراً عضو في مجلس الشورى. تتمركز سيطرته التامة على عزل «الحبلة, العنسين, الدخال» في عزلة العنسين التي تعتبر مسقط رأسه، يسيطر الشيخ على 50% من الأراضي والممتلكات، أما منطقة الدخال فيعتبر 80% من أراضيها ملك للشيخ، والعزلة الثالثة «عزلة الحبلة» التابعة لأملاكه ففيها مركز القوة والسيطرة.
فهناك وفي أعلى قمة مطلة على الجعاشن وما جاورها ترى جبل القاهر وبجواره « قلعة الأكمة» وهي السجن الرئيسي للشيخ وفيها من الأسلحة والذخيرة ما لا يعلمه إلا العارفون «بحسب آراء من استطلعناهم من أهالي المنطقة». وإلى جوار القلعة تلحظ «البيت الأبيض» وهو المكان الذي يصدر منه الأوامر والتوجيهات من قبل أمين فيصل والذي يعتبر وزير دفاع وداخلية الشيخ في المنطقة وهو يحتوي أيضاً على زنازن وسجون هي الحل الوحيد لمن يرفض أوامر الشيخ أو توجيهات عدول المنطقة ومنهم «العدل الجديد».

مماسي وعزل الجعاشن
-عزلة العنسين تتكون من عدة مماسي «والممسى هو عدة قرى: ممسى الفاش, ممسى الرحوب, ممسى المكامد. فممسى الرحوب: مجموعة القرى التي تحررت قريباً من قبضة الشيخ وهي التي ناضلت في صنعاء وأوصلت قضيتها إلى الرأي العام وبالتالي هي التي كسرت حاجز الخوف وشجعت على التحرر.
وممسى الفاش: يتكون من قرى «الزاوية, الضروبة, المرد, رأس الوادي, الفاش, النقيل, العرامي, دار المعلا, الصفح, الشقة»، تاق أبناؤه إلى التحرر فقرروا التغيير وطالبوا باستبدال عدلهم القديم «والذي عينه الشيخ منذ 25 سنة» بعدل آخر «صادق قاسم قائد غازي» لكن الشيخ والسلطة المحلية وقفت لهم بالمرصاد وحاولوا إكراه الناس على التوقيع للعدل القديم, لكن أهالي المنطقة انتفضوا في قرابة سبعين شخص الأسبوع الماضي, وذهبوا إلى أمام منزل محافظ إب القاضي الحجري لكنهم عادوا خائبين.

عجائب ومتناقضات
المنطقة غاية في الروعة والجمال فالجبال تكتسى بالخضرة وشلالات المياه في كل مكان حقيقة تستحق أن تكون محمية طبيعية، لكن ما تراه على وجوه المواطنين لا يعكس هذا الحال فلا ترى سوى بؤس مغلف بفقر وجهل، فأكياس الدقيق مثلاً لا يعرفها بعض أفراد المنطقة ويتعاملون بالكيلو.
- ممسى الفاش المكون من (10) قرى ليس فيه سوى شابين درسا في الجامعة وحالياً يلاقيان مشاكل وعراقيل.
-العنسين والعزل المجاورة لها تقع ضمن الدائرة (103) والتي تعتبر الدائرة الذهبية للمؤتمر الشعبي العام لكن الشيخ يصر أن أهالي المنطقة إصلاحيين وهم سبب المشاكل والقلاقل في المنطقة.
-ينبغي على من أراد استضافة أحد من خارج المنطقة أن يضرب كل الاحتياطات ويجهز إجابة لكل التساؤلات: من معك؟ من أين هو؟ لماذا جاء؟!
-أحدهم أراد الاطلاع على صحيفة فيها خبر عن العنسين ولأن الصحف نادرة في العنسين فقد وضع صاحبنا خمسة ألف ريال رهناً لمدة القراءة فقط.
- لاحظت أثناء سماعي لخطبة الجمعة أنه لا يوجد في الجامع سوى شخصين ومجموعة من الأطفال أما الشيوخ والشباب فقد منعهم العدل من حضور الخطب والمحاضرات.
-أثناء المهرجان الذي أقيم في إب لمطالبة الرئيس للعدول عن قراره لعدم ترشيحه للرئاسة رفع أبناء الجعاشن لوحة كتبوا عليها «نطالب الرئيس بالعدول عن قراره» وفي المهرجان الذي أقيم في نفس المحافظة أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية رفع أبناء الجعاشن اللوحة السابقة نفسها وبنفس الخط السابق.

-أحد الشباب قال إنه سمع الشيخ/ محمد أحمد منصور يقول عند زيارتهم للمحافظ: «أنا دولة، معي دبابات، معي صواريخ، ما تشتوا مني, فيكم جنان بقري, وقد هدد الرعية بقوله من يعترض على «العدل الجديد سأؤدبه بعشرين عسكري».
- أثناء زيارتنا لمركز المديرية التقينا أحد المواطنين وقال: «يا ابني السلطة المحلية كلهم مع الشيخ ماعدا الحاكم الله يحفظه. جئنا إليه لقسمة تركة والدنا فتدخل الشيخ برسالة إليه نصها: «الأخ رئيس محكمة ذي السفال حفظكم الله بعد التحية ورثة إسماعيل أحمد رعاش معنا لديهم أملاك فلا تصدقوا التغرير وسنعرض عليكم الطلب من الأخ رئيس الجمهورية.. أخوكم/ محمد احمد منصور بتاريخ 17/5/2008م» الصحيفة تحتفظ بصورة الرسالة.

«الأهالي» تزور أهالي العنسين
أم فؤاد محمد أحمد من أهالي ممسى الفاش تقول: «العدل الذي عينه الشيخ نهب علينا (جِدي) ربيته سنة ومرة من المرات ما قدرناش تسليم الزكاة فسلمنا له بصيرة أرض وهي معه إلى الآن، وهددنا مرة بأنه سيُعلِّم على ابني من يقتله فلو وقع بولدي شيء فهو غريمي الوحيد, وأضافت «أنا مفجوعة إلى الآن وقد طلع بي الضغط والسكري».
أحدهم قال للعدل الجديد: «يا رجل خاف الله» فأجابه: خلي الله ينفعك! وقال لمواطن آخر: «من سيغير عليكم مني»!؟ وسمع أحدهم العدل الجديد -أحد عدول الشيخ- يقول: «سأدفع ملايين وسأدعس بلقوف الرعية».
ويقول طفل عمره «13 سنة»: «العدل يأخذ علينا البقر والدجاج وذات مرة أخذ علينا بقرة وكسبة»، وآخر يصف العدل الذي عينه الشيخ بالظالم وقد قال لمن لم يستطع دفع الزكاة «بيع البيت و ادي الزكاة»، غير أن طفلاً عمره «13 سنة» رفض الكلام للصحيفة بحجة أن أباه ضربه عندما طلع (إب) مع المعتصمين في الأسبوع الماضي.ويقول أحمد «نريد صادق غازي عدل علينا لأنه رجل محترم لا يظلم أحد ولا يشل حق أحد وهو مش إصلاحي كما يقول الشيخ بل مؤتمر» أما بدر فيقول «والدي يرغمني على عدم اعتراض العدل ودائماً يهددني بالضرب والسجن لكننا نحن الشباب نرفض أن نبقى عبيداً كما كان آباؤنا فمنطقتنا ليس فيها أستاذ أو عسكري أو موظف ولهذا نرفض أن نكون عبيد أبناء عبيد».
أما الحاج مهيوب فتحدث قائلاً: «يفرض علينا العدل كل سنة مائة ألف وأكثر زكاة ويفرض علينا من خمسة آلاف ريال إلى ستة ألف ريال حق كهرباء وقد أخذ عليَّ ثور ونحن نرفض أي عدل نهائياً ونطالب بحكومة وشعب فقط، أما الشيخ فالبيت والحول والمزرعة حقه نحنا ما معاناش من الدنيا أي حاجة».ويتدخل محمد مهيوب بقوله «الشيخ محمد أحمد منصور مالوش دخل بس يفرض علينا العدول بالقوة, والعدل الجديد مانشتوش فالعدل يختاره المواطن وليس برأي الحكومة ولا الشيخ» ليقاطعه قائد قاسم «أنا مؤتمر والدولة لا فائدة منها ونحن نطالب بالحرية ولا نقبل بالتعويض وإذا أصرت الدولة على بقاء العدل فستؤدي إلى فتنة ومشاكل لا يحمد عقباها» وبسبب حماية الشيخ للعدل فإن المواطنين يتضررون من الجوع بسبب الإتاوات التي يفرضها باستمرار عليهم.
والعجيب أن المواطن محمد علي يقول «إن أحد عدول الشيخ قال لهم «إن الريس في رسالة منه يأمر أبناء العنسين بدفع الزكاة للشيخ والذي لن يدفع ستؤدبه الحكومة».

مدير مديرية ذي سفال «لا أسمع.. لا أرى.. لا أتكلم»..
ارتأيت زيارة مدير المديرية العقيد عبدالعزيز الرياطي وعندما سألته عن سبب المشكلة في عزلة العنسين مجددا وبالتحديد في ممسى الفاش فقال: «لا توجد مشكلة، ولا في شي، الأمور سابرة، وكل شيء على ما يرام».
قلت له: الأهالي يشكون من العدل المعين من قبل الشيخ. قال: «عليهم تقديم شكوى للنيابة»، وعن الزكاة لماذا لا تسلم للواجبات مباشرة أجاب: «تسلم للعدل مثلما بقية المناطق». كان هذا بعد أن اعتذر بأنه مشغول «جداً، جداً، جداً» لكنني انتزعت منه تلك الأحرف على غير رغبة منه. عندما لم أجد إجابة شافية ومقنعة من مدير المديرية ذهبت إلى مكتب الأمين العام «قحطان أبو راس» والذي بدا أكثر تفهماً وتقديراً للصحافة والصحفيين؛ سألته عن مشكلة أبناء العنسين وبالذات الفاش؟ أجاب «جاءوا إلىّ والمدير كان في صنعاء وفعلاً تفهمت مشكلتهم وأحلتها إلى إدارة الواجبات لكنهم في اليوم التالي ذهبوا إلى المحافظ وبهذا أصبحت القضية منظورة لدي المحافظ».
وأضاف «للمواطن حق انتخاب أي عدل يراه ومن حقه رفض أي عدل تصدر منه أي مخالفات بشرط أن لا تكون كيدية وبطرق وأساليب قانونية» وأكد أنه مع كل قضايا المواطنين فما وجدت السلطة المحلية -كما يقول- إلا لخدمتهم، ودعته بكل تقدير واحترام. ولكي تكون الصورة أكثر وضوحاً ذهبنا إلى مكتب إدارة الواجبات ولكننا لم نجد فيه سوى موظف واحد فالمدير «ليس هنا» اتصلنا به هاتفياً وسألناه: «مواطنو ممسى الفاش يشكون وقوفكم مع العدل الجديد رغم توقيعاتهم لصادق غازي»، أجاب: «الذين وقعوا له ليسوا مقيدين لدينا في السجلات والذين حضروا معه إلينا هم من أبناء منطقة أخرى -الحبلة- ومعظمهم نساء وأطفال! فقلنا له: لماذا لم تطلعهم على أسماء المقيدين لديكم حتى يأتون بهم؟ أجاب: لا أستطيع ذلك إلا بتوجيه من مدير المديرية.
وعلى بعد بضعة أمتار من مركز المديرية شاهدت جولة فيها تقاطع ثلاثة خطوط وقد تسببت في أكثر من حادث فـ»ردمان» تعرضت سيارته لأكثر من ثلاثة حوادث, يوم أحد الماضي كانت الجولة على موعد مع حادث تصادم مروع بين ثلاث سيارات ترى هل مدير المديرية على علم بهذه الجولة وما تسببه أم أنها هي الأخرى ليست في علمه كما هي قضية العنسين!

مطاردة إرهابي يحمل كاميرا
بعد تناولي وجبة الغداء عند أحد أهالي المنطقة حدث اتصال لمن ضيفني فرأيت احمراراً في وجهه وارتباكاً شديداً فسألته: إيش فيه؟ أجاب وعينه إلى الأرض: «المعذرة يا أستاذ شكل العدل أو الشيخ قد أرسل خمسة أو ستة عساكر وهم بالطريق إلى هنا» قلت له: أنا على استعداد للحديث معهم وأخذ آرائهم وعلى استعداد أيضاً لأخذ آراء العدل أو مقابلة الشيخ محمد أحمد منصور إن سمح له وقته. ابتسم مضيفي ابتسامة خجولة وقال: يا أستاذ هؤلاء لا يعرفوا لا رأي ولا حوار يعرفوا فقط قيود ومعتقلات وسلاسل، قلت له فلتكن إذن ولنا الشرف! فأجاب «والله لا نرضى لا لك ولا لنا البهذلة ولا التعب فرجاء امشي الآن وريحنا وريح نفسك، ما فينا قدرة ولا طافة على المشاكل». أدركت حينها أنني قد أثقلت عليه وبالتأكيد سأشكل عليه حرجاً شديداً فاستجبت لطلبه وخرجت في الساعة الواحدة والظهر وعيون المواطنين من على أسطح المنازل ترمقني بإشفاق وخوف فأحدهم ناداني «أوبه على نفسك ما فيش أمان» وآخر قال «والله لو نستطيع نحميك ما خرجت في هذا الوقت». قدرت مشاعرهم وأطلقت لقدمي العنان ورافقني في طريقي بعض الشباب من أهالي المنطقة وسلكوا بي طريقاً -ما خطر على بالي قط أن أمشيها- وبعد مغادرة المكان بفترة بسيطة كان الوفد قد وصل إلى البيت الذي استضفنا فيه.
أربع ساعات كاملة هي المدة الزمنية التي استطعت فيها مغادرة منطقة الخطر حسب وصف الشباب، وقد أصابنا من الإعياء والتعب ما لا يوصف لكن الرغبة في الحرية ومحاولة عرض الحقيقة خففت عنا بعضاً مما لا قينا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق